الثروة الحقيقية لأي مجتمع بشري، ليس تلك الأموال التي تخزن في بنكه المركزي أو مصارفه المتعددة، وليس كذلك تلك التي تستخرج من باطن الأرض أو من الجبال والبحار، وانما هو الانسان الذي تتحقق بعزيمته وارادته وانتاجه، الا ان للأسف الشديد هناك من يتسبب في تعطيل هذا العنصر الذي انفقت عليه الحكومة الشيء الكثير، من خلال سنوات من التعليم والتدريب والتأهيل، بدء من مرحلته الابتدائية وحتى البكالوريوس، اسست فيه المرتكزات الاساسية التي تحتاج اليها كل مهنة أو تخصص في سوق العمل، واشبعته بالعديد من المفاهيم التي تدفعه إلى الانطلاق والاداء الجيد في مرحلته العملية، ومع ذلك تعمد العديد من منشات القطاع الخاص إلى قتل تلك الدافعية وذلك الطموح المشبع بخدمة الوطن وكسب المهارة العملية والمعرفة، من خلال ممارسة فعلية لطبيعة المهنة أو العمل الذي وظف من أجله، حيث ان هناك حالات من الشباب بدأ يدب فيه اليأس نتيجة عدم منحه الممارسة العملية للوظيفة وتركه تحت التدريب الذي هو في الأساس تدريب، نعم يتقاضى راتبها شهريا وبانتظام لكن لا يستفاد من عطائه ولا يعطى الفرصة للقيام بالدور المطلوب منه.
هناك ثغرة حقيقية بين حرص المنشآت على تلبية طلب الجهات المعنية لتشغيل القوى العاملة الوطنية وغياب الرقابة فيما تؤول اليه أوضاع أولئك الشباب، وكأن المسألة تدفع ثمنا للحصول على تلك الأعداد الكبيرة من القوى العاملة المستوردة وجواز مرور للموافقة، فقبول 10 على سبيل المثال من المواطنين مقابل المئات من الوافدين، لايشكل ذلك فارقا كبيرا طالما انها أي المنشاة حققت ما تريد، فماذا يعني ان يكون هناك شباب لديهم تخصصات ولا يستفاد منها في الاداء والانتاج ؟ امثلة عديدة لشباب مضى عليهم سنوات في منشآت معروفة البعض منهم تخرجوا وألحقتهم الجهة المعنية بشركات، يتقاضون رواتبهم وهم في منازلهم وآخرون تحت الطلب متى ما طلب منهم الحضور والبعض الاخر تدرب بالمشاهدة من بعيد دون الاحتكاك بالادوات المستخدمة في العمل، اتدرون لماذا ؟ هناك بطبيعة الحال مجموعة اسباب لعل ابرزها كما سبق واشرنا للوفاء بنسب التعمين المطلوبة وارضاء لوزارة العمل والامر الاخر ان بعض تلك المنشآت ليس لديها ثقة بالمواطن ليقف امام جهاز انتاج او آلة، وان الوافد لايمكن ان ينقل خبرته لهذا المواطن الذي يشعر بانه يشكل تهديدا لمصدر رزقه، عوضا عن ان الوزارة المعنية ليست لديها الامكانية لمتابعة كل من تقوم بتشغيله وهذا بطبيعة الحال يعطي تلك المنشآت الاريحية في ممارسة مثل هذه الاجراءات في ظل غياب الرقابة، وبالتالي فانها اي بعض المنشات خاصة تلك التي تدار من قبل الوافد تعتبر المواطن رقما لتكملة العدد المفروض عليها.
لذا لابد من الجهات او الجهة المعنية مراقبة هذه الحالات التي بدأ مؤشرها يرتفع قبل ان تصبح ظاهرة، وان يكون هناك اجراء قانوني يوقع على من يتعمد من المنشآت ممارسة هذا النوع من التجاهل لقدرات المواطن وقتل الطموح لديه، فهو اي المواطن لم يرشح للعمل من اجل ان يتقاضى حسنة او معونة شهرية، وانما لتطوير كفاءته ومهارته في التخصص الذي درسه لسنوات وبناء مستقبله المهني من اجل وطنه ومجتمعه، وان تعي تلك المنشآت ان المواطن الذي رعته الدولة وصرفت عليه الحكومة مبالغ التعليم في مراحله المختلفة، مطلوب منه أن يكون قوة دفع لاقتصاد وتنمية وطن وضعت له خطط وبرامج واستراتيجيات ورؤى لسنوات قادمة، يكون هو فيها أحد اهم المرتكزات التي يبنى عليها مستقبل الوطن في كافة المجالات، فلا تؤذوا الكفاءات الوطنية ومكنوها من العمل والانتاج .
طالب بن سيف الضباري
أمين سر جمعية الصحفيين العمانية
dhabari88@hotmail.com
