الإعـلامي/ سعيد بن سيف الحبسي
عندما نتحدث عن حرية التعبير وعدم مصادرة الفكر ، لا بد أن يكون لدينا إعلام حر متقبل للنقد البناء ، سواء للمؤسسة الإعلامية ذاتها كإذاعة أو تلفاز أو صحف أو وكالة أنباء أو المسؤولين عليها ، بحيث يجب أن يكون الإعلام بمسؤوليه منفتحا متقبلا لوجهات النظر الإيجابية والسلبية ، إلا أننا لم نرى هذه الحرية ولو في أبسط معانيها ، لا زلنا نعيش ذلك الإعلام المنغلق على نفسه المحب للمديح والبهرجة الزائفة ، والذي لا يتقبله كل صاحب عقل ومنطق وفكر ، لا يتقبله المثقف ولا المتعلم ولا الأكاديمي الذي يتبنى أفكارا تصحيحية تطويرية لمفهوم الرسالة الإعلامية الوطنية الصادقة بكل معانيها اللغوية واللفظية والتعبيرية والواقعية ، إلا أننا لا زلنا نجر خيبات الأمل في إعلام يتحكم فيه فكر المسؤول الأحادي وليس فكر الوطن الذي تبنى مفهوم (حرية الرأي والتعبير وعدم مصادرة الفكر لكل مواطن) .
ندرك جليّاً بأن الإعلام سلاح ذو حدّين ، إما أن يكون بنّاءً أو هدّاماً ، إلا أن الملاحظ أن الكثير من المسؤولين على الإعلام لا يتقبلون حتى الإعلام البناء وذلك لفهم خاطئ لديهم بأنهم أصحاب قرار يهيمنون هيمنة مفرطة على كافة المكونات الإعلامية ، بحيث يعتبرون كل شيء فيه نقد بأنه خط أحمر يمس بمصلحتهم وليس بمصلحة عامة ، وهو أمر مستغرب لدى غالبية أبناء المجتمع ، فكم سمعنا من خطوط حمراء وضعت لقضايا سياسية واقتصادية واجتماعية وأدبية ، وهي لا تستدعي وضع تلك الخطوط الحمراء تحتها ، بل من المفترض أن تلقى إهتماما حكوميا أكثر من أجل اكتشاف الحقيقة المخفية .
الإعلامي الناجح هو من يأتيك بصدق وأمانة الكلمة وموضوعية القضية المطروحة وأهميتها في واقع الحياة المجتمعية ، لذا فإن مثل هذا الإعلامي هو من يجب أن يقدر ويحترم ويستمع لرأيه ووجهة نظره ، أما ذلك الإعلامي الفاشل الذي يأتيك بالمديح والتطبيل والبهرجة الإعلامية لمسؤولين بعينهم ، فهذا من الأولى أن يستبعد من الساحة الإعلامية ، ولكن للأسف تظل (المعادلة الإعلامية مقلوبة) في القاموس الإعلامي للمسؤولين ، حيث إن هناك من الإعلاميّين الذين تم توقيفهم عن ممارسة عملهم الإعلامي الذي أخلصوا فيه لسنوات مضت ، كانوا يبذلون قصارى جهدهم لإيصال الرسالة الإعلامية الوطنية بكل إخلاص وأمانة ، ومع ذلك تصدر بحقهم تلك القرارات السلطوية بصفة أحادية وبدون إبداء الأسباب ، وذلك لمجرد عدم تقبل المسؤول طرح ذلك الإعلامي وعدم تماشيه مع الرغبة الشخصية له ، وبالتالي تحكم تلك القرارات غير المسؤولة المزاجية ، وعدم الثقة بالنفس ، والقلق والخوف ، وكأن المؤسسات الإعلامية ملك شخصي لذلك المسؤول .
الواقع يقول بأننا أمام أزمة إعلامية حادة ، وتوجه لإقصاء المزيد من الإعلاميّين الناجحين ، وذلك لما نلمسه من تزايد وتيرة الإيقافات في الوقت الراهن ولإنهاء خدمات الكثير منهم في بعض الوسائل الإعلامية ، وإذا لم يكن هناك تدخلاً سريعاً من المعنيّين بالأمر لمثل هذه التصرفات الفردية فلن نجد إعلاماً حراً ولا كاملاً بمعانيه الوطنية ، بل سنظل في بوتقة السلطة المطلقة الأحادية القطب التي لا تأتي بخير..
كلمة آخر السطر..
أنقذوا الإعلام والإعلاميين أصحاب الكلمة الحق من هيمنة المسؤول الأحادي ، ومن تلك القرارات الأحادية التي لا تمت للواقع بصلة أبداً ، وإنما تعمل على مصادرة الفكر وحرية الرأي والتعبير ، ودعوا الجميع يعبرون بحرية مسؤولة ، واستفيدوا من طرحهم في مختلف القضايا التي تهم المجتمع ، وتُعين الحكومة في أداء مهامها الوطنية .. فالإعلام أحد الوسائل الفاعلة في بناء الدولة بمختلف مجالاته التنموية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها..