طالب المقبالي
عقودٌ من الزمن عاشها عالم الصحافة في ظل الصحافة الورقية المطبوعة التي مضى عليها عقود عديدة تعتلي فيها عرش الصحافة التي لا تعرف سوى الصحف الورقية، ولكل عصر متطلباته.
ستة وثلاثون عامًا قضيتها مع الصحافة الورقية بحلوها ومرها، وقد واجهت العديد من الصعاب والمشاق بدءًا من البحث عن الخبر ومن ثم صياغته، وانتهاءً بطباعته، ووصوله إلى يد القارئ في اليوم التالي في إحساس من المتعة بوصول المادة إلى يد القارئ.
كان هذا الأمر جيدًا في وقت نفتقد فيه إلى وسائل التواصل السريعة التي تنقل الخبر والحدث فور وقوعه، ومن الطبيعي أن يقول القارئ، وقع كذا وكذا يوم أمس أو قبل يومين، أو حتى قبل أسبوع أو شهر، ففي الخبر متعة وإن مضى عليه الوقت آنذاك.
أما اليوم وفي عصر التقنية، وسرعة التواصل التي سرعت وسيلة إيصال الخبر فور وقوعه، من خلال البث المباشر من موقع الحدث، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي تستقطب ملايين القراء والمتابعين، فقد أصبحت الصحافة الإلكترونية هي البديل المناسب لمواكبة هذه الطفرة التقنية.
فلم يعد نفس القارئ يحتمل انتظار صدور الصحيفة الورقية في اليوم التالي بعد أن انتشرت الأخبار عبر مختلف الوسائل الإلكترونية، ولذلك أصبحت الصحف الورقية مركونة على رفوف المكتبات، ومناضد سلال العرض أمام محطات بيع الوقود كاسدة، أو على الأرصفة، مما حدا بالعديد من المؤسسات الصحفية بالتحول إلى الصحافة الإلكترونية، فيما تقاوم بعض الصحف الورقية في البقاء، مع مواكبة إصداراتها الورقية بنسخة إلكترونية تنشر الحدث في حينه، وتبقى الصحف الورقية على طاولات المسؤولين في الدولة، وهي مدفوعة الاشتراكات من قبل الحكومات، ولا تكلف المسؤول شيئا، وفي أغلب الظن تبقى مجرد جزء من الديكور التقليدي لمكاتب المسؤولين.
ومن خلال تجربتي الطويلة في الصحافة الورقية، والتجربة القصيرة في الصحافة الإلكترونية التي لم تتجاوز أربع سنوات حتى الآن، فإن الفارق كبير في أعداد القراء والمتابعين. كما ألاحظ حرص أصحاب الفعاليات على الحصول على رابط الخبر فور نشره دون انتظار، وبالتالي تقوم الجهة المنفذة للفعالية بنشر رابط الصحيفة، وروابط النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وقل ما نجد أحدا يسأل عن النشر الورقي.
بعكس ما كان في الماضي؛ حيث يطلب صاحب الحدث نسخة من الصحيفة الورقية المنشور فيها الخبر لتبقى مجرد ذكرى، وقد لا يعلم عن النشر من هم في المكاتب الأخرى من ذات المؤسسة التي نفذت الفعالية.
هناك صحف ورقية تحولت إلى صحف إلكترونية في بريطانيا وأمريكا ودول غربية أخرى، وكذلك الحال في بعض الدول العربية، ومن بينها جمهورية مصر العربية التي شهدت وقف الإصدارات الورقية؛ حيث صدر قرار بوقف الإصدارات الورقية لعدد من الصحف المسائية المملوكة للدولة وتحويلها إلى منصات إخبارية إلكترونية اعتبارا من منتصف يوليو 2021، وهي الأهرام المسائي الصادرة عن مؤسسة الأهرام، والأخبار المسائي الصادرة عن دار أخبار اليوم، والمساء المصرية الصادرة عن دار التحرير.
ولم يقتصر التحول الإلكتروني أو الإغلاق وتسريح العاملين في مجال الصحافة الورقية إلى الدول العربية، وإنما شمل صحفا ورقية أجنبية عريقة ذائعة الصيت قد قلصت توزيعها الورقي وألغت آلاف الوظائف وسرحت أعدادا كبيرة من العاملين فيها، من بينها صحف واسعة الانتشار كصحيفة شيكاغو تربيون وبوسطن غلوب وانجلوس تايمز، ومجلة تايم الأمريكية الشهيرة.
كثيرٌ من الصحف الورقية قد تحولت تحولاً كاملاً كصحف إلكترونية كونها الأكثر وصولاً إلى القارئ والمعلن، وتتيح النقر المباشر لروابط الإعلانات، مع روابط أحداثيات المواقع للوصول إلى مقرات الشركات المعلنة.
من وجهة نظري باعتباري أعمل في مجالات تقنية المعلومات والتصميم وإدارة المواقع وتصميم التطبيقات للهواتف الذكية فإن العصر هو عصر الصحافة الورقية دون أدنى شك، فهي التي توصل القارئ الوصول الفوري إلى مبتغاه. فلم يعد العالم نتيجة لهذه الثورة التقنية مجرد قرية صغيرة كما وصفه مارشال ماكلوهان، وإنما تحول إلى غرفة أو مبنى واضح المعالم والأبعاد، كما قال المفكر الإيطالي تشارلز كولي.
المصدر: https://alroya.om/p/295159