حيدر اللواتي
يؤكد الكثير من المصادر والتقارير العالمية على أهمية التعليم الإلكتروني في مختلف التخصصات العلمية والمجالات الاقتصادية بسبب الظروف التي يمر بها العالم. فاستمرار الأمراض الناجمة عن الفيروسات المعدية كوباء كورونا تقلل فرص الالتحاق بالتعليم التقليدي.
وها هو العالم يمر اليوم بموجة جديدة من الوباء تؤدي إلى إصابة آلاف الأشخاص، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الكثير من الأعمال ومنها مواصلة التعليم الجامعي وما بعد الجامعي، إلا من خلال الالتحاق بالتعليم الإلكتروني. وفي هذا الإطار أصبحت كبريات الجامعات العالمية تتخذ اليوم منهج “التعليم عن بعد” والتعامل مع الطلاب من مختلف دول العالم بهذه الوسيلة، وتوفير كل السبل لتقديم المعلومات والدروس اللازمة من خلال الكتب الإلكترونية، وتوفير الأساتذة للتعامل مع كل من يرغب في مواصلة هذا النوع من التعليم، ناهيك عن تقديم التعليم الإلكتروني للمراحل المدرسية الأولى عبر تطبيقات أنشأتها المدارس لتمكين الأطفال من تلقي الدروس اللازمة.
العديد من الكتب والتقارير تتناول هذا الموضوع ومنها كتاب صدر مؤخرا عن المفكّر المغربي الأستاذ إدريس أوهلال بعنوان “الانفجار العظيم… عصر النهايات”، حيث يتعرض إلى الكثير من المحاور في مجالات التعليم المستقبلي، والثقافة، والرأسمالية، ونهايات المجالات الاقتصادية ونهاية النقود وغيرها من القضايا التي تهم الناس في ضوء التحولات التي يعيشها العالم، والصراعات التي تتفجر في الكثير من مجالات الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية.
هذه القضايا تتطلب من الشعوب والحكومات إجراء تغيير في كيفية تعليم الأبناء في ظل الثورة العلمية والمعرفية الحديثة، وعدم التمسك بالمدرسة التقليدية النمطية الفاشلة، حيث يرى الكاتب أنه من الخطأ التمسك بتعليم جامعي نظامي حكومي وخاص يمتد لخمس سنوات وأكثر، بل يمكن للمرء أن يتعلم من مكانه بالمنزل ليمتلك أفضل الشهادات والخبرات في مدة قصيرة وبسعر منخفض. كما يرى الكاتب أنه من المهم ألا يضيع المرء عمره في تعليم جامعي فاشل، في وقت يمكن له الحصول على معارف ومهارات بحجم أكبر وبشكل أفضل، وفي وقت أقصر من خلال منصة رقمية عالمية، واختيار مواد دراسية تتناسب واحتياجاته وباللغة التي يفهمها. واليوم تنظر المؤسسات الاقتصادية والتجارية إلى الكفاءات والمهارات التي يتميز بها المرء في عمله وليس من خلال الشهادات، وهذا ما أدى بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في يونيو عام 2020 بإصدار قرار للحكومة الفيدرالية بتوظيف المتقدمين للعمل وفق قدراتهم ومهاراتهم بدلاً من الشهادات الأكاديمية.
نحن في الدول العربية والإسلامية بأمسِّ حاجة إلى التعامل مع التقنيات الجديدة في مجال التعليم عن بعد أو في أعمالنا مع المؤسسات الحكومية، حيث يؤكد الكاتب في هذا الشأن بأن النموذج القديم للحياة استنفد نفسه، وأنه لا بد من إعادة اختراع المدرسة والجامعة والوظائف والسوق وغيرها بما يخدم مصالح الشعوب في العصر الحالي ومواكبة التطورات التي تحدث في مجال العمل والوظائف الأيدلوجية الجديدة. وهذا لا يعني في نظر الكاتب بأن نتخلى عن القيم التعليمية التقليدية، وإنما نواصل الجهود لمواكبة التطورات الإلكترونية وخاصة في المجالات التعليمية للأبناء في ظل الثورة العلمية الافتراضية، بحيث لا يواجه الجيل الحالي وأصحاب المؤسسات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الكثير من المصاعب الاجتماعية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وضرورة تنمية قدراتهم في التعامل مع المستجدات الحديثة.