الدكتـور/ سعـدون بن حسـين الحمـداني
دبلوماسي سابق – كلية عمان للإدارة والتكنولوجيا
كما هو معروف فأن الإتيكيت هو آداب السلوك الفردي في مختلف المناسبات والأنشطة بحياتنا اليومية والتي تعكس كاريزما وشخصية وثقافة وتربية الإنسان في المجتمع، والإتيكيت هو الفن الرفيع والذوق والمشاعر الرقيقة التي تعبر عن أجمل ما في الروح وأحاسيس القلب وعقلانية العقل بالتصرفات المثالية التي تكون مرآة لشخصية الإنسان سواء امرأة أو رجل.
وفن الإتيكيت يوضح لنا طريقة التعامل المهذب مع الآخرين والذي يبدأ من العائلة وصولاً الى هرم الدولة الذي يعتبر هو القدوة للمجتمع والناس الذي يقودهم ؛ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه”ِ) متفق عليه)، وهذا الحديث يعتبر مدرسة قَيمة في فن التعامل مع الناس من خلال الاهتمام بمهارات الاتصال والتواصل، فالأمير أو المسؤول الذي لا يعرف كيف يتعامل مع رعيته فأن النتائج العكسية سوف تكون بانتظاره وكذلك الرجل الذي يرعى أهل بيته أن فقد مفاهيم وأخلاقيات التعامل مع عائلته فإن التشتت والانفلات وتمزق العائلة تكون بانتظاره مما يؤثر سلباً على المجتمع.
والإتيكيت كما تعرفه المدارس الدبلوماسية بأنه مجموعة القواعد التي يجب أن يتسلح بها الفرد مع المجتمع سواء صغار العمر أم كبارهم أو الذين يشغلون مناصب عليا أو ناس بسطاء. الإتيكيت بالدرجة الاولى يشمل مجموعة كبيرة من القواعد المكتوبة التي تعتمد كثيراً على علم النفس الاجتماعي والتي حورتها وطورتها المدارس الدبلوماسية وجعلتها من صفات الدبلوماسي الناجح وكذلك الانسان البسيط، فدائما نقول إن فلاناً عنده إتيكيت وبعض الأوقات نقول لأصدقائنا إن فلاناً ما عنده إتيكيت لذلك سوف نتطرق اليوم بصورة مختصرة حول بند أو مجال واحد لفن الإتيكيت وهو كيفية التعامل مع المجتمع أو مع الآخرين وما هي القواعد المثالية بحيث تكون أنت القدوة بينهم ويشار لك بالبنان والاحترام والتقدير.
تعتبر البساطة والتواضع من أغلى صفات فن الإتيكيت لأنها أصل جمال الروح ومثالية العقل حتى أن رسولنا الكريم هو قدوة لنا في كل شي وليس فقط في التواضع والبساطة. روى أبو هريرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ، إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) (صحيح مسلم).
فمن الأمور الجوهرية عند التحدث لشخص أو مجموعة أشخاص يجب أن نتعرف ليس على مستوى التعليم أو الشهادة فقط بل على مستوى الثقافة والخلفية الاجتماعية التي عاش فيها وهذه الجزئية تعد من الأهمية التي ستعينك على فهم الآخرين.
وإن حسن استخدام وصياغة الكلمات المهذبة والراقية في المعنى ونبرات صوتية مدهشة غير مرتفعة تعتبر من أهم سمات إتيكيت التعامل مع الآخرين لذلك علينا أن تتعامل مع الجميع بروح التعاون والوضوح والبساطة والمصداقية كي يستفاد من خبراتك الجميع، لأن التكبر هو من السمات المنبوذة في المجتمع.
يجب أن يكون حديثك متجدداً دائماً حتى تجذب آذان الآخرين، لذلك يجب أن تكون الموضوعية في مجال الحديث من جميع جوانبه بحيادية تامة وإبراز نقاط القوة والضعف في كل جانب بعيداً عن التعنت والأنانية بالأفكار والمبادئ التي تحملها، وعليك أن تتصف برحابة الصدر وحسن الاستماع والإنصات الرائع للمقابل وعدم مقاطعته إلّا بعد الانتهاء من طرح أفكاره.
من أهم أوليات فن إتيكيت التعامل مع الأخرين الابتعاد كل البعد عن النفاق ونقل الكلام بين الأشخاص؛ لأن ذلك سوف يشعل النار في الخشب قال تعالى : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً، «سورة النساء : الآية 145، لذلك على الشخص أن يتعامل مع الآخرين بكل معاني المحبة والشفافية والأخوة، ويقف معهم بالسراء والضراء ولا يكن سيفاً على رقابهم حين الضعف.
وعلى الشخص أن يتحكم في انفعالاته في التعامل مع الآخرين ويظهرها بالقدر الذي يتناسب مع الموقف وإذا انفعلت أثناء الحديث فاحرص أن تتدارك الموقف سريعاً ولا تجعل هذا الانفعال يبدو على سلوكك الخارجي لأن استمرار الانفعال بمعنى أنت في بداية ارتكاب الأخطاء والتي يصعب إصلاحها فيما بعد.
لذلك فان المدارس الدبلوماسية تدرب موظفيها الدبلوماسيين على الصبر والمطاولة وعدم الانفعال في اشد المواقف، وحتى رجال الاعمال والمسؤولين عليهم عدم الانفعال في المناقشات لأنه قد يؤدي الى خسارات مالية ليست في الحسبان.
إن السلوك المهذب وجمال الذوق في الكلمة وفن إدارة الحديث ولغة الجسد ومصداقية المعنى واحترام وفسح المجال للمقابل كي يتحدث بكل صراحة دون المساس بمشاعر الآخرين يعتبر من سمات فن التعامل مع الآخرين.
إن فن الإتيكيت في التعامل مع المجتمع لا يعتمد على فن الكلمة وصدقها فقط وإنما على لباقة وإدارة الحديث المتسلسل بالأفكار والتي هي من أهم مرتكزات الحديث، بالإضافة الى حسن المظهر المتواضع البسيط وليس بالمجوهرات والمكياج الصارخ بالنسبة للنساء بعيداً عن النيات السيئة والمبيتة ضد الطرف الآخر، والتفنن في اختلاق الحجج الذي لا يَمت بأي صلة إلى الأخلاق الحميدة والتي تعتبر هي من سمات التعامل مع الاخرين.
وفي الختام فإن التعامل مع الآخرين يتلخص بالصدق وحسن المظهر البسيط ولباقة الحديث ذات الكلمة الرقيقة الراقية في المعنى وحسن الاستماع والإنصات واحترام الرأي الآخر وعدم التعنّت بالأفكار وفرض الرأي على الطرف الآخر واحترام الجميع بدون استثناء مهما كان منصبه وعمره ومكانته وإبداء المساعدة قدر المستطاع على تكون الابتسامة ورحابة الصدر هي عنوان حياتنا ويومنا.