سياسة الدعم مُستمرة ولم ولن تتوقف، لكنها مُقننة، وستذهب لأكثر الناس استحقاقًا
كتب: خلفان الطوقي
تَمرُ عُمان بمخاضٍ منذ منتصف عام 2020، وما زال، وربما سيمتد هذا المخاض لعدد من السنوات، وطول وقصر هذا المخاض سوف يعتمد على عوامل عديدة وأهمها السياسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتبناة من الحكومة، فبعض السياسات أصبحت واضحة المعالم للبعض، ولكن لم تصل الرسالة بشكل واضح لمعظم الناس، وأهم هذه السياسات هي سياسة الدعم.
فالدعم الحكومي في السابق كان مُنوعًا وكان يظهر في صور عديدة؛ منها دعم جميع المواطنين والمُقيمين في تسعيرة الكهرباء والماء ومشتقات النفط، كما يظهر في صور أخرى غير مُعلنة في الهبات والعطايا المادية المُباشرة وغير المُباشرة والاستثناءات في دفع الرسوم هنا وهناك، والتباين في رواتب ومزايا الوظيفة والتقاعد لبعض الجهات دون غيرها، وما أن تم إقرار برنامج التوازن المالي ومباركته من حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أيده الله ونصره، أُعيد توجيه الدعم لأكثر الفئات استحقاقًا.
لكن فلسفة الدعم ما زالت غير واضحة لكثير من الناس، فرغم استمرار الدعم، إلا أنه لا يذهب للجميع، ولكنه مُستمر لأكثر الفئات استحقاقًا ووفقًا لمعايير وضوابط معينة، مثل المسجلين في السجلات الحكومية، والمحدثين بشكل دوري عن معلوماتهم في كافة الجهات المعنية المختصة، والمسجلين في وزارة التنمية الاجتماعية في فئة الضمان الاجتماعي، والمسجلين من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في (نظام ريادة)، والمتفرغين لإدارة أعمالهم التجارية، وأصحاب المهن الحرة أصحاب التراخيص والمسجلين في قاعدة البيانات الحكومية، ومن فئة أصحاب الدخول المالية المحدودة التي لا تتجاوز مبلغا معينا في وظيفته أو تقاعده أو عمله الحر، ومن المسرحين من وظائفهم لأسباب وجيهة، ومن فئة الباحثين عن عمل وفق شروط معينة، والعجزة، بالمختصر الدعم سيقتصر على أكثر فئات المجتمع استحقاقًا.
نقول إن لكل مرحلة ظروفها وسياساتها، فعندما كانت موارد الدولة تسمح بذلك، كان الدعم يصل للجميع، ولكن ذلك سيكون صعبًا من الناحية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية عندما يستمر الدعم عندما يكون ليس من الناتج المحلي للدولة، وإنما من بند القروض الذي رفع مستويات الدين العام ليشكل ما نسبته أكثر من 80% من الناتج الإجمالي للدولة، الذي يعتبر مؤشرا خطيرا جدا لدولة مستهلكة، وتشكل سلعة النفط حوالي 75% بشكل مباشر وغير مباشر من دخلها السنوي.
الدولة كالأب، فعلى سبيل المثال عندما يكون دخل الأب 2000 ريال عُماني ودون التزامات بنكية، فكل أفراد العائلة بغض النظر عن مُستوياتهم وأعمارهم ودخولهم سوف يكونون معتمدين على رب الأسرة دون حساب ودون تقنين، وما أن ينخفض دخل رب الأسرة إلى النصف مع وجود التزامات هنا وهناك، فلن يكون- بالعقل والمنطق- قادرًا على مساواتهم ببعضهم البعض. وعليه، فالدعم والصرف لن يكون كالسابق، وإن استمر، فإنِّه سوف يذهب إلى الطفل الصغير، والفرد العاجز عن الاعتماد على نفسه لظرف صحي، وطالب الجامعة، وأقل أفراد العائلة دخلًا، وسوف ينقطع المصروف الشهري عن الحاصل على وظيفة، أو من تحسنت ظروفه، ففي هذه الحالة يستمر الدعم ولكن بشكل مقنن ووفق ضوابط شفافة تتناسب مع الظروف والمستجدات المحيطة والدخل الجديد لرب الأسرة، وإلا اضطر الأب وولي الأمر للاستدانة المفرطة والمستمرة، فليس من الحنكة والحكمة والعدالة مساواة جميع أفراد الأسرة بنفس الدعم، وتحمل العواقب المؤلمة عليه وعلى باقي أفراد الأسرة.
عودة للدولة، كما هو واضح مما هو مقرر في الواقع إلى الآن، فإنَّ سياسة الدعم مُستمرة ولم ولن تتوقف، لكنها مُقننة، وستذهب لأكثر الناس استحقاقًا، وما على الفئات التي ذكرتها في سياق المقال وذكرتها كأمثلة فقط إلا أن تُحدِّث بياناتها إلكترونيًا بشكل دوري، وتثبت بالوثائق أنها مُستحِقة للدعم الحكومي.