بقلم : علي المطاعني
الحكم على نجاح أي سياسات مالية أو اقتصادية من عدمه، مرهون دوما ببعض المؤشرات ذات الدلالة في أي دولة من دول العالم، فكافة الدول تسعى إلى الابتعاد عن الدخول في معترك عدم الاستقرار المالي والاقتصادي، باعتبار أن حسن تدبير الأوضاع المالية والاقتصادية هما الأساس الذي نستخدمه للولوج إلى مستقبل أفضل، فحسن التدبير المالي والاقتصادي يعد شهادة براءة من المؤسسات والمنظمات المالية الدولية، وهو الطريق الوحيد للاستحواذ على ثقة المستثمرين، ومن ثم جذب رؤوس الأموال المحلية والعالمية، فما سبق يعد من بديهيات العمل الاقتصادي والمالي في العالم، ولا أحد يستطيع أن يحيد عنه قيد أنملة، وبدون التوجه المالي الرشيد سيتدهور الأداء الاقتصادي والمالي، ويصبح الاقتصاد الوطني معزولا عن العالم ولن يقترب منه أحد، بل إن الأمر قد يتعدى ذلك ويفقد الوطن استقلال قراره، ويخضع لابتزازات مالية وإدارية واجتماعية واقتصادية تسعى إلى تطبيق سياسات لا تتناسب مع قيم الدولة وأخلاقياتها في بعض المرات، لذا فعندما تنتهج سلطنة عمان سياسات مالية رشيقة تعيد الأمور إلى وضعها الصحيح، فإن الغايات كبيرة والأهداف أكبر، تعمل في صمت على صون وسلامة كيان الدولة، والسمو بالشعب العماني العظيم الحريص دائما على استقلاليته، وهو ما يجب تفهمه وتقديره على العديد من المستويات والأصعدة، فبرغم الضريبة والتضحية التي ندفعها جميعا، إلا أن الأمر سيكون له تأثيرات مفجعة لو سرنا في عكس ذلك الاتجاه، والانغماس في مطالبات وقتية، سترهن قرارنا المستقل، وتؤثر عليه.
فاليوم عندما تقيم وكالات التصنيف الائتماني مثل «موديز» و «استاندر آند بورز» في تقاريرها الأخيرة للعام الجاري 2021 اقتصاد السلطنة وترفع من قدراته من سلبية إلى إيجابية ومستقرة، فهذا يعني أن هناك تطورات إيجابية حدثت في فترة وجيزة؛ فقد حققت الإجراءات المالية الاحترازية التي اتخذتها البلاد نجاحا ملموسا بتلك الشهادات الدولية، فقد جاء مفعول تلك الخطوات أكبر مما نتوقع نحن أو حتى أكبر مما توقعته هذه المؤسسات، التي توقعت في الأمس القريب تدهور الاقتصاد الوطني وتراجع عوامل الاستقرار به، لكن بالتخطيط الجيد والصبر والمثابرة استطاعت الحكومة أن تحقق الإنجاز المطلوب لينخفض العجز التجاري بنسبة 4 بالمائة في الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 إلى 2023، وهو بالتأكيد إنجاز كبير يجب تعزيزه، بل عندما ينخفض الدين العام إلى 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 حسب التوقعات فإن ذلك مؤشر على أن السياسات المالية تتجه نحو تحقيق أهدافها الساعية إلى تصفير المديونية؛ بل عندما تنخفض الاحتياجات التمويلية الحكومية سنويا بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي خلال عامي 2021 – 2023 إلى 10 بالمائة فإن ذلك انعكاس واضح لترشيد الإنفاق الجاري وضبطه في حدود المعقول.
فهذه المؤشرات وتلك النسب الإيجابية هي ما تثلج صدورنا؛ ليس في ترشيد الإنفاق فقط وإنما ترشيد سلوكيات الإنفاق المنفلتة وإيجاد ثقافة استهلاكية حكومية ومجتمعية واعية بالمتغيرات العالمية، وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، فعندما تمر الدولة بأزمات أو تداعيات نتيجة لمستجدات ومتغيرات عالمية، فإن ذلك بالتأكيد سينعكس على الفرد هو الآخر؛ لذا فعليه أن يبلور سلوكياته على نحو قويم، وهنا نكون قد نجحنا في بناء المواطن الصالح القادر على التكيف مع الظروف على اختلافها والإسهام الفاعل في مواجهة التحديات التي تعترض الوطن وحياة المواطن.
لكن الملفت للنظر والذي يشد الانتباه ويجعلنا فخورين بما تم إنجازه، هو أن تلك السياسات المرشدة للإنفاق، لاتزال لم تؤثر على الفرد أو المجتمع بشكل واضح، اللهم إلا بعض التأثيرات غير المباشرة؛ لكن الأهم هو وجود مبادرات مجتمعية أفضل تتعاطى مع هذه التطورات بإيجابية.
بالطبع مازالت سياسات ترشيد الإنفاق ماضية لتحقيق فلسفتها في صفر عجز وصفر ديون، وهو ما يفرض علينا أن نتكاتف وتتضافر جهودنا للوصول لتلك الغايات المنشودة، والتي تسعى إلى الحفاظ على المكانة المالية والاقتصادية للدولة.
نأمل أن تكلل هذه الجهود بالنجاح، وأن يسهم كل عماني غيور على وطنه في هذه الأرض الطيبة في إنجاحها، وأن نتعاطى بإيجابية تسهم في وقوفنا صفا واحدا لإحداث تغيرات في المجتمع تسهم في بناء فرد واع متفهم قادر على التفاعل الإيجابي مع المتغيرات، يمتلك إرادة الفعل وعدم الوقوف متفرجا لكي تنقذه المؤسسات المالية الدولية بشروطها وابتزازاتها، التي ستفقدنا الاستقلال الوطني الذي حافظنا عليه على مر التاريخ العماني التليد.