فايزة الكلبانية
(1)
البعض قد يتساءل.. هل للنجاح ضريبة؟! الإجابة: نعم، بالفعل، ومن واقع الحياة نجد أنَّ كل إنسان ناجح نعايشه بيننا يدفع ضريبة نجاحاته واجتهاداته بشكل مباشر أو غير مباشر، وقد تكون الضريبة تكلفتها باهظة الثمن وقد لا تكون ضريبة مادية بقدر ما نجدها بأنواع مختلفة دون أن يكون لك أدنى سبب سوى أنك موظف ناجح تسعى لتصنع من نفسك شخصية مُميزة منجزة استثنائية بجدك واجتهادك، والبعض تكلفهم مغادرة بيئة العمل بشكل تام رغم ارتباطهم القوي بتلك البيئة والمكان.
لكن قد يصل به الحال أنه غير قادر على التعايش مع الكم الهائل من مشاعر الحقد والحسد والتآمر التي يُحيكها له من حوله ممن لا يؤمنون بنظرية أنَّ النجاح للجميع، ولكل مجتهد نصيبه ورزقه المقسوم، ولا أحد سيأخذ رزقاً قدره الله لغيره، هذا في ظل أنه قادر على البقاء بالرغم من التحديات الأخرى التي تعاني منها مختلف المؤسسات اليوم ممثلة في قلة الراتب والتزامات العمل المطلوبة وضغوطاته، وما يطرأ عليه من تغييرات كما هو الحال المعتاد ببعض المؤسسات.
(2)
من هذا المنطلق نجد البعض يجازف بالانتقال إلى بيئة عمل أخرى لعل وعسى أن يجد حالاً أفضل مما هو عليه اليوم، ليواصل سلم نجاحاته في منحى آخر بعزيمته وإرادته المعتادة يكون قادرًا على إثبات مهاراته فيها ليُشار له بالبنان بتوفيق الله وخالص النوايا، ولكن تظل قناعتنا جميعاً بأن بيئة الأعمال لذتها تكمن بالمنافسة وروح الفريق والتآزر والإبداع، فكما نردد جميعاً إننا نعيش في بيئة العمل بشكل يومي أكثر مما نعيش مع أفراد أسرتنا اليوم، وهذا واقع الأعمال ومتطلباته.
وقد قرأت ذات يوم تغريدة عبر تويتر في حساب الدكتور عبد العزيز مهل الرحيلي حظيت بنقاشات واسعة متباينة، وإقبال من المتابعين والمغردين قال فيها: “لا توجد منافع مجانية، ضريبة النضج أن تفقد براءتك.. ضريبة الطموح مزيد من القلق.. ضريبة الأصدقاء مزيد من الالتزامات.. ضريبة التميز مزيد من الوحدة.. ضريبة النجاح مزيد من الحسّاد.. ضريبة الانغماس بالمتع أن تضعف همتك”.
(3)
جميعنا يحرص على الالتزام بأخلاقيات بيئة العمل التي تعزز حضوره، وتكسبه احترام زملائه ومن يتعامل معهم، وتساعده على التطور بالرغم من كل تحديات بيئة الأعمال مهما بلغت آثارها يسعى للاستمرار والإنجاز والتغاضي واحتواء المواقف ولكن ما قد يمر علينا جميعًا أن تكون محبوب الجميع في عملك وأنت في بداية سلم النجاح، وما إن يسطع نجمك وتجتهد لتصنع من نفسك فردا استثنائيا بعملك واجتهادك وطموحاتك وتصبح مطلوبا لتميزك في عملك، إلا وبشكل تلقائي تجد كل من كانوا حولك إخوة وأصدقاء بدون أن تسيئ لأحدهم تتبدل معاملاتهم لتصبح أكثر الناس عداوة لهم وليتك تكون قد أسأت لهم يوما، إنما هي مشاعر يزرعونها بسوء فهمهم أو بنوايا ممن يدسون السم بينهم بطراوة اللسان، والقيل والقال ليصنع منك شخصًا سيئاً في غيابك ويرفع أسهمه عاليًا ليكسب حبهم وودهم وللأسف الشديد مجتمعنا اليوم أصبح مقرباً لهذا الصنف من الناس ومرغوبا لهم لكونه سيأتي لهم بالمستجدات من الغيبة والنميمة والعلوم التي قد تطال الأعراض تارة ولا نقول إلا “يكفينا الله شر هذا الصنف من البشر”.
(4)
كثيرًا ما أحرص على أن تدور في عقلي أفكار النجاح والفرح والامتياز، والبهجة والإنجاز، وتارة اجعل منها سيناريو من الأحداث والتفاصيل الجميلة، ابتسمُ كلما اسحتضرها عقلي ومخيلتي؛ لأنتظر أن أراها واقعًا جميلاً ذات صدفة تحكي قصة نجاح وإنجاز جميل لم يأتِ من فراغ إنما من سعي وعمل دؤوب وتضحيات واجتهادات، وصبر، وعطاء مُستمر، وإذا ما جاءت أفكار سلبية أسعى جاهدة لإبعادها من تفكيري على الفور كي لا تتربع في تلك الزاوية لتتحول إلى واقع ملموس سأعيش تفاصيله ذات يوم لا محالة، وهذا هو حال الكثيرين، ممن يؤمنون بأنَّ ما يدور في عقلهم الباطن من أفكار سيرونه واقعا أمامهم ذات يوم.
لا أعلم ماذا تسمى في علم الفلسفة ولدى ذوي الاختصاص، ولكنني أعلم بأنَّها تحدث معي كثيرًا، وقد يكون جميعنا يعايشون هذه الفلسفة بالحياة؛ حيث تتحول الأفكار التي تدور في العقل الباطن إلى واقع متباينة بين السلبية والإيجابية، وأقول في ذهني، لقد سبق وأن رأيت هذا الموقف وقد مرَّ بي، لذا فلنحرص على جذب الأفكار الجميلة التي تسعدنا لأننا نيقن سنعيشها واقعًا ذات يوم، فلتكن ثقافة الإنجاز أسمى أهدافنا.
المصدر: https://alroya.om/p/292027