بقلم : محمد محمود عثمان
الأحداث والمتغيرات الدولية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تفرض أداء جديدا لجلب الاستثمارات وفق استراتيجية واضحة ومرنة ومستقرة في الوقت ذاته، وتحتاج إلى عقليات تتمتع بالقدرة على الابتكار، ولديها الرؤية على تقييم المخاطر الحاضرة والمتوقعة على المدى القريب والبعيد، وتمتلك الشجاعة على التصحيح الذاتي أو بالتعاون مع متخذ القرار، وهى سمة التطور والتحديث الذي يواكب مستجدات العصر ومتطلبات الاستثمار المحلي أو الدولي ، واعتبار أن الاستثمارات في كل المجالات والقطاعات هى الوجهة الآمنة للاستفادة من الأموال وتعظيمها بغض النظر عن مكانها أو موطنها أو حجمها ، لأن كل مايعنيها في المقام الأول هو استقرار القوانين والتشريعات المُيسرة البعيدة عن التعقيدات، مع وجود الحوافز والمحفزات وتوافر موارد الطاقة و الأيدي العاملة الفنية والرخيصة ، خاصة في الدول التي لا زالت تعاني من الفجوة المهاراتية ، ومدى القدرة الاستهلاكية في الأسواق المحلية التي تشجع المستثمرين على ضخ المزيد من التدفقات مع التطوير والتحديث، سيما في الأسواق التي تسعى إلى طرح نفسها كمركز تجاري عالمي ينافس على خريطة الاستثمارات العالمية والإقليمية ، ولديها مشروعات مستقبلية ضخمة في حاجة إلى التمويل وإلى التكنولوجيا المتقدمة، وعلى الإدارات الاقتصادية التي تخطط لجذب الاستثمارات الأجنبية أن تعي جيدا أن مشاكل الاستثمار تبدأ من عدم تحديد الأهداف الاستثمارية ووضوحها ، ومدى ملاءمة التشريعات القائمة مع هذه الأهداف ، ولاسيما بعد تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في السنوات الفائتة، الذي سجل انخفاضًا عالميا بنحو 45% منذ عام 2020وحتى الآن ، طبقا لتقارير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا» الأسكوا « وفي هذا الإطار تكون البداية بضرورة مراجعة القوانين والتشريعات القائمة وتصفيتها من المعوقات التي تتعارض مع الأهداف ، بل وتطرد الاستثمارات القائمة أو تجبرها على الهروب ، وتنفر المستثمرين القادمين بداية من قوانين تنظيم أسواق العمل الطاردة للأيدي العاملة الأجنبية الماهرة والرخيصة ، التي تعد من أهم المميزات النسبية والتنافسية التي تُميز الأسواق المستقطبة لرؤس الأموال لأن أسواق العمل كما أشرنا من قبل تترنح وفي حالة انعدام وزن أثرت على شركات القطاع الخاص بشكل مباشر،خاصة أن بعض التشريعات أحادية الأهداف والتي تُحقق في الظاهر مكاسب وقتية ، لا تعادل المكاسب المرجوة من القطاعات الأخرى ، أو تعوض الخسائر المترتبة مع تطبيقها في مختلف قطاعات الاقتصاد على المدى البعيد ،لأن بعض القرارات قد لا تنظر أبعد من مواقع أقدامها ، وقد لا تنسجم أو تتقاطع مع أهداف وطنية أخرى أكثر أهمية ، وهنا علينا أن نضع القوانين في ظل منظومة متجانسة تصنع انسيابية أو» هورمني « للتشريعات التي تخدم بعضها ولا تتعارض مع غيرها ، من خلال نظرة استباقية شاملة ، لذلك ليس عيبا أن يتم التعديل أوالتراجع عن بعض التشريعات التي يُثبت الواقع التطبيقى عدم ملائمتها للواقع المعاش، أو تعارضها مع الاستراتيجيات الأخرى التي تنفذها الدولة ،لأن التنمية الاقتصادية تتم من خلال منظومة متكاملة من القرارات والتشريعات المتوافقة ، لذلك فإن السلطات من حقها تقدير المصلحة العامة في إلغاء قرار أو قانون أو تجميده أوتعديله أو تحديثه ، متى رأت من خلال التغذية الراجعة المنعكسة من الواقع الميداني أن في ذلك مصلحة المجتمع بكل مكوناته،وحتى لا تسير التشريعات في اتجاهات عكسية ، خاصة فيما يتعلق بسياسات جذب الاستثمارات و الترويج والتسويق الخارجي، وفي مدى انتظام واستقرار الأيدي العاملة ، ومدى توافرها بمستوى المهارات الفنية العالية طبقا للمعايير الدولية ، التي تعزز بيئة العمل واحتياجاته الفعلية ،في كل المهن الفنية والوظائف الدنيا والعليا والمتخصصة والكفاءات الإدارية ذات الخبرات التراكمية، وعلينا أن ندرك جيدا أن الاستثمارات تتجه تلقائيا صوب الأسواق الأكثر ثباتاً وصموداً واستقرارا أمام موجات الاضطراب السياسية والاقتصادية المتتالية، التي أثرت سلبا على الاقتصاد في مناطق كثيرة من العالم، لأن رأس المال في كل زمان ومكان يبحث دائما عن الملاذ الاستثماري الآمن والمستقر، ومن هنا فمن الضروري أن تُعد الدول نفسها للحصول على أكبر حصة من كعكة الاستثمارات العالمية ، وهذا يتطلب امتلاك قاعدة معلومات رقمية عن المشروعات الصناعية والاستثمارية المدرجة على خريطة التنمية الاقتصادية ، مع دراسات الجدوي المبدئية الخاصة بها ليسترشد بها المستثمر عند دراسته للمشروعات الجديدة قبل أن يقرر الدخول في السوق ، إلى جانب وجود حزم المحفزات الاستثمارية الجمركية والضريبية ، والتشريعات المتطورة لسرعة حل المنازعات وانتقال الأرباح ورؤس الأموال ،وإجراءات التحكيم السريع ،والقضاءالحازم والناجز والعادل، وتفعيل المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق العمال المهاجرين وأسرهم ، لتكوين الثقة والمصداقية ،إلى جانب الشفافية والإفصاح والرقابة الصارمة والمرنة، لأنه علينا أن نستعد من الآن للتعامل مع المنصات الاستثمارية الجديدة التي تستخدم « الميتا فيرس « وما يطلق عليه بالعالم الافترضي وما تستخدمه من عملات رقمية في عقد الصفقات والاستثمارات في السياحة والعقارات والسيارات والأراضي وغيرها من مجالات الاستثمار، والتي سوف تنتشر في السنوات المقبلة، وجميعها تبحث عن الأسواق التي تتمتع بأكبر عدد من الميزات النسبية والتفضيلية.