حيدر اللواتي
بالرغم من المواقف الإيجابية لجمهورية روسيا الاتحادية تجاه القضايا العربية والاسلامية، ووقوفها مع المبادرات التي تطرحها في المنظمات الدولية بين الفينة والأخرى، إلا أن العلاقات الاقتصادية والمشاريع الروسية العربية لا تعكس التطورات على أرض الواقع. فخلال السنوات الـ18 الماضية من 2003 إلى 2021 كانت تكلفة مشاريع الشركات الروسية في الدول العربية منخفضة جداً من إجمالي القيمة. كما لا توجد هناك فعاليات وأنشطة اقتصادية وتسويقية يمكن من خلالها تعزيز العلاقات الاقتصادية التي يتطلع إليها الطرفان، اللهم بعض التنسيق القائم فيما يتعلق بأسعار النفط العالمية من خلال اوبيك بلس، بالاضافة إلى توقيع بعض اتفاقيات شراء الأسلحة الروسية خلال السنوات القليلة الماضية.
هذا ما دعا المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان) المتخذة من الكويت مقراً لها بإبداء استعدادها لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين الدول العربية وروسيا مؤخراً. فهذه المؤسسة توفّر الكثير من الخدمات التأمينية والمعلوماتية والبحثية في قضايا تنشيط صادرات الدول العربية إلى العالم. ووفق بيانات منظمة الانكتاد فان حجم التجارة الخارجية بين الدول العربية وروسيا الاتحادية خلال الاعوام 2011 و2020 سجل مستوىً متواضعاً بواقع 14.7 مليار دولار، ما يمثل 2.1% من حجم تجارة روسيا الخارجية وأقل من 1% من حجم تجارة الدول العربية الخارجية في المتوسط.
أما من حيث مشاريع الاستثمار الروسي الأجنبي المباشر في الدول العربية، فقد بلغت التكلفة الاستثمارية لها منذ عام 2003 وحتى نهاية العام الماضي 2021 نحو 64.4 مليار دولار تمثّل 5% من حجم استثمارات المشاريع الأجنبية في المنطقة، في المقابل بلغت التكلفة الاستثمارية لمشاريع الاستثمار العربي المباشر في روسيا 3.8 مليارات دولار تمثل 1% من مجمل مشاريع الاستثمار الأجنبي في روسيا.
ولا شك أن قيام المؤسسة العربية لضمان الاستثمار في توفير خدمات التأمين المتخصص للصادرات العربية والاستثمار والتمويل ضد المخاطر التجارية والسياسية، سيعمل على تعزيز التعاون الاستثماري والتجاري والتمويلي بين الطرفين، بالاضافة إلى تأمين المخاطر غير التجارية، كالمصادرة والتأميم والحروب والاضطرابات الأهلية في حال نشوبها، الأمر الذي سوف تمكّن الصناعات العربية من الوصول إلى الأسواق الروسية، وتخلق علاقات بين أصحاب القطاع الخاص في روسيا والدول العربية من خلال عمل عقود مباشرة مع تغطية واردات السلع الرأسمالية والاستراتيجية ومدخلات الصناعات العربية من السوق الروسية، وتأمينها ضد المخاطر السياسية والتجارية المتمثلة في إفلاس المستوردين أو إعسارهم في الدفع، أو في عدم وفاءهم بدفع مستحقات السلع والمنتجات العربية المصدرة في الوقت المناسب. بجانب ذلك ستعمل المؤسسة على تقديم البحوث والمعلومات المتخصصة والتفصيلية للجهات المعنية بتشجيع التبادل التجاري والاستثماري والاقتصادي بشكل عام بين الجانبين.
ومن هذا المنطلق، من المهم سعي الدول العربية لفهم المحددات السياسية والاقتصادية الروسية من أجل تصحيح المسار فيما بينهما، وتعزيز مجالات التعاون والبحوث والعلاقات لتحقيق مزيد من التقارب في المستقبل، وتطوير آفاقها لتعريف الشعبين العربي والروسي بجميع تلك المحددات، خاصة بعد هذه السنوات العجاف التي شهدت خلافات متباينة بين الجانبين فيما يتعلق ببعض القضايا والأحداث العربية والاضطرابات التي شهدتها المنطقة في العقد الماضي. فالسوق العالمي كبيرة في استيعاب المنتجات والسلع العربية وكذلك الحال مع المنتجات الروسية التي سوف تصل إلى المنطقة.