محمد محمود عثمان
تغافلت معظم دول العالم كثيرا عن المخاطر التي أصابت الاقتصاديات خاصة في الدول النامية والناشئة، من جراء التعاملات الخاطئة مع جائحة كورونا ومتحوراتها المتجددة ، التي قد لا تنهى في الأمد القريب ، وهذا يدعونا إلى اتخاذ إجراءات احترازية ضد القرارات التي تحمى فقط المنظومات الصحية الهشة أو التي أُصيبت بالعطب أوأنها غير قادرة على التعامل الإيجابي مع المرض الوافد المتحور الخبيث بطبيعته أو بفعل الآخرين ، وذلك على حساب الاقتصادات الكلية المهددة بمخاطر تضخمية ضخمة تحققت وتنخر ببطء في المقومات الاقتصادية الأساسية ، أوأنها قادمة بل ومتوقعة في ظل ما تقدمه الحكومات من تسهيلات لتمكين التضخم من أن يتضخم بقوة، ويلقي بسلبياته على المناحي الاقتصادية ، ويصيب الأسواق بالركود، ونعني بذلك قطاعات الاستثمار و العقارات والإنشاءات والسياحة والنقل حتى اصحاب المهن الحرة والأعمال التجارية بأنشطتها المختلفة في الفنادق والمحلات التجارية والمقاهي ، حيث لكل معاناته ،فهل نجد أكثر من ذلك ركودا فقد ألم حتى بالأفراد ؟
لأن أكثر المتشائمين لم يتوقع الموجات الجديدة من المسرحين عن العمل أو توقف المصانع والشركات وتعثرها وخروج بعضها من البورصات ، التي ينتج عنها زيادة تدهور القوة الشرائية للمستهلكين التي تصيب الأسواق بالشلل، مع علم الجميع علم اليقين بأن الوباء لم ينتهي بعد ولن ينتهي بشكل نهائي أو قاطع ويحتاج إلى المرونة في التعاطي والتعايش معه ،ويؤيد ذلك تصريحات المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الذي حث دول العالم إلى العمل معا لوضع نهاية للمرحلة الحرجة من جائحة كورونا قائلا: ” إن لديها الآن جميع الأدوات المتاحة للقيام بذلك ، ونحن في منعطف خطير ، يجب أن نعمل معا لإنهاء المرحلة الحرجة من هذا الوباء ، ولا يمكننا السماح له بالاستمرار ونحن نتخبط بين الذعر والإهمال ” محذرا في الوقت ذاته من افتراض أن المتحور “أوميكرون” شديد العدوى أو هو المتحور الأخير ، وأن العالم أصبح في الشوط الأخير من اللعبة ، وهو تصريح مهم جدا ، لأننا مع ذلك لم ننتبه أونهتم كثيرا بإيجاد طرق أوأساليب جديدة ومتطورة قادرة على مواجهة المستجدات المتوقعة واحتوائها، خاصة في تطوير المنظومات الصحية والعلاجية ، وضخ الاستثمارات في البنية التحية الصحية وتقويتها ، تحسبا من كورونا وتحوراته المتجددة ،مع أنه قد لا يكون المتحور “أوميكرون” خبيثا أو بقوة المتحورات السابقة – ربما لكونه من صنع الخبثاء لمواجهة مشكلات نقص تدفقات النفط وتذبذب أسعاره،لذلك قد نجد أن حالة الهلع التي أصابت البعض ،و التي اقترن بها العودة إلى بعض الإغلاقات أو تقليص عدد العاملين ومنع التجمعات والفعاليات الجماهيرية وبعض الصلوات أو إغلاق المطارات ، قد لا تكون مؤثرة إيجابيا في هذه المرحلة ، لأن الإغلاقات الجزئية أيا كان نوعها أو مدتها ستضرب الاقتصادات في مقتل ، حتى ولو بالتأثيرات والانطباعات النفسية السلبية والتفاعلات الانكماشية ، التي تعكس التخوف من الانخراط أو الاستمرار في البورصات المالية والأسواق أو السياحة ، التي تعرقلها الإجراءات الاحترازية أيا كانت طبيعتها أو بساطتها أو مدتها ، لأنها تشير إلى تقليص العمل وضعف الإنتاج وضعف الخدمات أو انعدامها ، وتأثيرات ذلك على القدرة الإنتاجية والتصديرية ، ولذلك على الحكومات أن تعي الدرس جيدا وألا يدفعها الخوف من التداعيات الصحية إلى تكرارالحظر والإغلاقات على حساب الاقتصاد ، لأن ذلك لن يمنع الانتشار إلا بنسب ضحلة ،ويضع عبئا ثقيلا على حياة المواطنين وسبل العيش
ويمكن الحصول على ذات النتائج بتشديد الإجراءات الصحية والوقائية المسبقة من خلال اللقاحات ، والعلاجات والفحصوات السريعة والمتطورة ،التي تكشف المرض خلال دقائق ، حتى لا نعطي لكورونا شهادة ميلاد جديدة ، بدلا من أن نكتب سطورا في شهادة موته ،خاصة مع اكتشاف فيروسات تاجية جديدة ، لأن محور أزمات متحورات كورونا أنها قد لا تتعدى الأعراض القوية للإنفلونزا ، حتى ولو تصاعدت الإصابات بشكل مخيف في بعض الدول ، لكنها لم تنجرف إلى أخطاء تجارب الإغلاقات السابقة ،ومتحسبة من تداول خلفيات – من الصناعة المخابراتية – عن أغراض سياسية واقتصادية ،لأن ذلك يُعرض العالم لحالة “الوبال الاقتصادي”، بعد خسارة الاقتصاد العالمي بسبب الكورونا – حتى الآن – أكثر من 13 تريليون دولار، بالإضافة إلى أن حوالى 1.5 مليار مهددون بالبطالة وانعدام الدخل ،
وأهم مظاهر” الوبال الاقتصادي “الذي نعيشه هو التضخم الذي يجتاح العالم الآن ، لأنه بحسب مسح لصندوق النقد قد بلغ التضخم السنوي في أسعار المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط 11.6% ‘ في حين أن أعلى معدل تضخم حدث في الولايات المتحدة الأميركية تجاوز نسبة 6% ، وهي نسبة لم تسجل طوال العقود الثلاثة الماضية، ومن المتوقع أن تستمر هذه الحالة لفترة طويلة ‘ نظرا للمخاطر الجيوسياسية ومع توقف سلاسل الإنتاج والنقل وزيادة معدلات البطالة ، بما يقودنا إلى ركود اقتصادي عالمي، يدعمه زيادة عبء الديون بشكل غير مسبوق ،و الزيادات القياسية المتسارعة لأسعار السلع والخدمات في معظم دول العالم، ، الذي قد يستمر سنتين أو ثلالثة ،وعليه قد ترتفع الأسعار بنسبة 50%، وقد تصل إلى 100% أو أكثر، ويؤدي ذلك بالقطع إلى انخفاض القدرات الشرائية التي تؤدي إلى توقف التضخم بشكل تلقائي، ولذلك على الحكومات أن تعي الدرس جيدا وألا يدفعها الخوف من التأثيرات الصحية إلى تكرار الإغلاقات ومنع السفرعلى حساب الاقتصاد ، لأن ذلك لن يمنع الانتشار، ويضع عبئا ثقيلا على حياة المواطنين وسبل العيش، ومن هنا تزداد المشكلة عاما بعد آخر، والأصعب أنها تتفاقم وتزداد تعقيدا مع مرور الوقت ،نظرا لغياب الرؤية المتكاملة للمشكلة التي قد تغيب عن أصحاب القرار، الأمر الذي يدفع الاقتصاد العالمي في مرحلة الركود التضخمي.
المصدر
https://www.future-road.me/الاجراءات-الاحترازية-ومخاطر-التضخم/