الخليج أونلاين: في مُحيط مضطرب مليء بالتعقيدات، كانت سلطنة عُمان تشق طريقها بهدوء وسلاسة خلال السنوات الأربع الماضية، محققةً الكثير من الإنجازات في مختلف المجالات.
انتعاش اقتصادي واستثماري غير مسبوق شهدته السلطنة، واستقرار أشادت به كبرى المراكز والصناديق العالمية، بفضل سلسلة من البرامج والسياسات التي أمر بها السلطان هيثم بن طارق منذ اليوم الأول لتوليه الحكم في 11 يناير من العام 2020.
واليوم، وبينما يحتفل العُمانيون بالذكرى الرابعة لتولي السلطان هيثم مقاليد الحكم، يجد العمانيون أنفسهم أكثر ثقة بمستقبلهم، فبلدهم أصبح محط الأنظار في مختلف المجالات، فماذا تغير خلال سنوات حكمه؟
في 11 يناير 2020، ألقى السلطان هيثم بن طارق خطابه الأول الذي انطوى على الإصرار والعزيمة على نقل السلطنة إلى آفاق أكثر رحابة، بناءً على ما تحقق طيلة سنوات حكم السلطان الراحل قابوس بن سعيد، والذي كان له فضل وضع بلاده في مسار التنمية.
وضع السلطان هيثم في خطابه الأول ملامح عُمان الجديدة في مجالات التنمية والبناء والاقتصاد والنهضة الشاملة، وكذلك السياسة الخارجية. ومنذ العام الأول شرع في إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وقام بتحديث منظومة التشريعات والقوانين، بما يضمن الانطلاق بالسلطنة نحو المستقبل مسلّحة بمقومات النهوض اللازمة.
ويبدو المسار الذي خطّه السلطان هيثم مثيراً للإعجاب، وهذا ما ذهب إليه الخبير جوناثان كامبل جيمس، في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أواخر نوفمبر الماضي، أشار فيه إلى أن “السلطان حافظ على الاستمرارية مع الاستقرار الذي تحقق والتقدم المحرز في عهد السلطان قابوس، وأنه ركز بشكل خاص على تحقيق النمو الاقتصادي والتنويع”.
واجهت عُمان كغيرها من الدول التي تعتمد على النفط في اقتصادها العديد من الصعوبات، خلال السنوات الماضية، من جراء الاضطرابات التي تعصف بأسواق الطاقة العالمية. وإيماناً منه بأهمية إيجاد حلول مستدامة لضمان تعافي الاقتصاد أطلق السلطان هيثم، مطلع نوفمبر من العام 2020، خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020 – 2024)، بهدف تنويع مصادر الإيرادات المالية بعيداً عن النفط الخام، عبر تشجيع قطاعات اقتصادية أخرى.
ولإكساب عُمان مكانة كبرى في مختلف المجالات أطلق السلطان هيثم بن طارق، منتصف ديسمبر من العام 2020، الرؤية المستقبلية للسلطنة “عُمان 2024″، التي بدأت السلطنة بتطبيقها مطلع العام 2021، عبر إقرار خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021 ـ 2025)، وكانت البدايات بتشغيل ميناء الدقم الاستراتيجي، ومشاريع استراتيجية أخرى.
وإلى جانب تعزيز صادرات السلطنة من النفط والغاز، فقد حرصت على تعزيز النمو في مختلف القطاعات، وفي المقدمة قطاع السياحة، الذي سجل نمواً قوياً عام 2023، بزوار بلغ عددهم 2.9 مليون سائح حتى نهاية أكتوبر الماضي.
ونجحت سلطنة عمان في التعافي اقتصادياً، وهذا ما أكده صندوق النقد الدولي في تقرير له، منتصف نوفمبر الماضي، حيث رجح أن يحقق الاقتصاد العماني مزيداً من النمو في العام الجاري 2024.
وكالة فيتش للتصنيف الائتماني كذلك رفعت، أواخر سبتمبر الماضي، تصنيف السلطنة إلى BB+ من BB؛ بناء على انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة الخليجية، وزيادة انضباط الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النفط.
كما بدأت السلطنة، منذ أبريل 2022، بتخفيض مديونيتها، وحققت نجاحاً ملحوظاً في هذا الجانب، حيث تقلص الدين العام خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2023، إلى 43 مليار دولار، مقارنة بـ 54 مليار دولار نهاية عام 2021.
كما حلّ جهاز الاستثمار العُماني ضمن أكبر 10 صناديق ثروة سيادية من حيث حجم الأصول في الشرق الأوسط، وفي المرتبة الـ 28 ضمن أكبر 100 صندوق سيادي في العالم. ووفقاً لمعهد صناديق الثروة السيادية العالمية (أواخر أغسطس 2023) فقد بلغ حجم الأصول التي يديرها جهاز الاستثمار العُماني قرابة 46 مليار دولار.
الجدارة التي بدا عليها النظام الاقتصادي والتشريعات التي سنّها السلطان هيثم بن طارق منذ توليه مقاليد الحكم، خلقت موثوقية عالية باقتصاد عُمان والبيئة الاستثمارية في السلطنة، وهذا ما ذهب إليه رئيس جمعية الصحفيين العمانيين الدكتور محمد العريمي.
وأضاف العريمي، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “أصبح هناك ثقة بالنظام الاقتصادي والاستثماري في عمان، لا سيما بعد الجهود الكبيرة التي بذلت خلال السنوات الأربع الماضية لتحسين التشريعات القانونية، والتشريعات الخاصة بالاستثمار”.
واستطرد العريمي قائلاً: “أهم التحديات التي كانت تواجهها السلطنة، كانت الضائقة المالية والمديونية، والتي كانت كبيرة مقارنة بالإيرادات، وبفضل البرامج المالية والبرامج الاستثمارية، والأنظمة التي اتبعت، تقلصت تلك المديونية، بل وأصبحت عُمان محل إشادة وتقييم إيجابي من مؤسسات مالية عالمية”.
كما أشار إلى أنه منذ منتصف العام الماضي 2023، أصبح هناك “شبه تحسن وشبه انتعاش، وشبه أمل في مستقبل أفضل بالنسبة للاقتصاد والاستثمار في السلطنة، وهذا العام 2024، والعام الذي يليه 2025، سيكون عام انطلاقة لتحقيق رؤية عمان 2040، والتي تأثرت سلباً خلال السنوات الماضية بسبب جائحة كورونا وانعكاساتها على وضع السلطنة”.
مثلما سجلت سلطنة عُمان نجاحات في ميدان الاقتصاد والتنمية والاستثمار، فإن لها إنجازات لا تقل أهمية في مجالات السياسة والعلاقات الدولية.
فقد واصلت السلطنة في عهد السلطان هيثم بن طارق نهج الراحل السلطان قابوس بن سعيد في ما يتعلق بسياسة الحياد الإيجابي، حيث كان لها دور بارز في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وكان لها دور حاسم في إطفاء العديد من الحرائق الإقليمية، وفي المقدمة الأزمة اليمنية، وكذلك الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران، وقضايا أخرى.
وعن هذا، يقول رئيس جمعية الصحفيين العُمانيين، محمد العريمي: إن “السلطان هيثم كان جزءاً من الحكومة السابقة، وكان وزيراً مهماً، وتبوأ العديد من المناصب، والملفات العديدة، وهذا أكسبه اطلاعاً ودراية بجميع الملفات”.
وأضاف: “كما أنه تولى رئاسة الجانب العُماني في الجمعية العُمانية البريطانية المشتركة، وأسْنَد له السلطان الراحل قابوس بن سعيد العديد من الملفات المهمة، وهذا جعله مؤمناً بالسياسة الخارجية للسلطنة، والتي بنيت منذ سبعينيات القرن الماضي على أسس محددة”.
كما شدد العريمي على أن “السياسة الخارجية أثبتت نجاعتها خلال السنوات الماضية، وهو ما أعطى دوافع للحكومة الحالية، وأيضاً لوزارة الخارجية أن تسير في هذا المنحى”.
واستدل العريمي بالمساعي العُمانية في اليمن، وأيضاً فيما يتعلق بملف الخلاف الأمريكي الإيراني، مؤكداً أن كل هذه المساعي “تصب في مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة والخليج تحديداً”.
ولفت إلى أن عُمان أصبحت “حاضرة وبقوة في السياسة الدولية، وهذا يتضح من خلال الزيارات رفيعة المستوى إلى مسقط، واللقاءات التي يعقدها قادة وسياسيو العالم بالسلطان هيثم ووزير الخارجية، وكذلك كبار المسؤولين في الحكومة العُمانية”.
وقال العريمي في هذا الصدد: “مسقط أصبحت محطة ترانزيت لكل هذه المفاعيل السياسية الخاصة بالمنطقة، لأن هناك مصداقية للنظام السياسي في السلطنة، ما أكسبه ثقة دول المنطقة في الخليج وفي جامعة الدول العربية، وحتى في الأمم المتحدة”، لافتاً إلى أن “وضوح الرؤية والمنطلقات، أعطى النظام السياسي العماني مساحة لأداء أدوار مهمة، وحلحلة العديد من الملفات الشائكة”.
واستطرد قائلاً: “الحياد الإيجابي والوسطية التي تتمتع بها سلطنة عُمان، أعطيا نظامها السياسي مساحة كبيرة للتدخل في هذه الملفات العالقة، ولأن السلطنة أصبحت محل ثقة من جميع دول العالم، فإن العديد من تلك الدول تتوجه صوب السلطنة لتقوم بدور إيجابي في حل العديد من القضايا الشائكة، وهذا ينسجم مع حرصها على إحلال الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة”.