يُؤسفنا جدًّا أن نرَى بعضًا من المسؤولين، سواءً في القِطاع الحكومي أو القِطاع المُشترَك (المختلَط) أو الخاصِّ تكاد معلوماتُهم تكُونُ شحيحةً بخصوصِ بروتوكول توقيع الاتفاقيَّات، وهذا الخلل يقع على مسؤوليَّة موظَّفي العلاقات العامَّة، وكذلك على موظَّفي الاختصاص، الَّذين يُشرفون على مراسم التَّوقيع من حيث توفير جميع الأدوات المطلوبة لذلك، حيث نشاهد بالصُّحف المقروءة ووسائل الإعلام المرئيَّة أنَّهم يرفعون ملف الاتفاقيَّة، ويأخذون صورةً تذكاريَّة كأنَّها شهادة ثانويَّة عامَّة أو شهادة جامعيَّة، وكذلك من المخجلِ أن نرَى أشخاصًا يقفونَ خلْفَ مراسم التَّوقيع وكأنَّهم فريق كُرة قَدَم أو فريق رياضي مُحقِّق نتائج، والكُلُّ رغبتهم في التقاط صورةٍ تذكاريَّة وهدفُهم أن يظهروا بالصُّورة وليسَ المُهمُّ تفاصيل الاتفاقيَّة. نحن كدبلوماسيِّين نرَى ونراقبُ ونُحلِّل كافَّة الأخبار والصوَر الَّتي تُنشَر بالصُّحف أو بالتَّلفزة، وكذلك نُقيِّم مدَى استيعاب وثقافة المسؤول بمفاهيم البروتوكول وإتيكيت مراسم توقيع الاتفاقيَّات المحليَّة والدّوليَّة أو حضوره بالمؤتمرات أو أيٍّ من الفعاليَّات الرَّسميَّة.
بروتوكول الاتفاقيَّات الخارجيَّة تختلف اختلافًا جذريًّا عن مراسم بروتوكول الاتفاقيَّات المحليَّة من حيثُ عدَّة مفردات أساسيَّة ومِنْها: محتوى الاتفاقيَّة، نَوْع الاتفاقيَّة، مكان الاتفاقيَّة، نَوْع الطاولة، المكان، الوقت، كلمات ترحيبيَّة، دعوة غداء أو عشاء، حفل شاي صباحي أو مسائي، أعلام الدوَل وأحجامها، شعار الجهة المُوَقِّعة، حضور وكالات الأنباء.. وغيرها من المفردات ذات الأهميَّة المباشرة، مع تجنُّب الوقوف ورفع ملف الاتفاقيَّة أمام الحضور، وهذا ما يحصل بصورةٍ مُتْقنة وصحيحة مع كبار الشخصيَّات في زيارة الدَّولة عِند توقيع الاتفاقيَّات والَّتي قد تزيد على عشر اتفاقيَّات لمختلفِ المجالات، حيث يكتفي الطَّرفان بالتَّوقيع والمصافحة بعد التَّوقيع، وهي الحالة النّموذجيَّة لمراسم التَّوقيع بعيدًا عن الأشخاص الَّذين يقفونَ خلْفَ المُوَقِّعِين أو رفع مذكّرات أو ملفَّات الاتفاقيَّة، أو كما من المُستحسنِ أن تكُونَ هناك مسافات بَيْنِيَّة لا تزيد عن مترٍ واحد في حالة وجود عنصر نسائي أثناء التَّوقيع احترازيًّا قد تستخدم اليد اليُسرى بالتَّوقيع والكِتابة.
تقعُ مسؤوليَّة مراسم توقيع الاتفاقيَّات على موظَّفي العلاقات العامَّة أو المُنسِّقين الَّذين يُشرِفون على مسؤوليَّة واجبات ومهامّ هرم الجهة المُوَقِّعة بعيدًا عن العلاقات الشَّخصيَّة المُتعارف عَلَيْها؛ لأنَّ الصُّورة الَّتي سوف تَظهر بالصُّحف ووسائل التَّواصُل لا تنشُر جميع تفاصيل وبنود الاتفاقيَّة، والمُستقبِل للخبر أو القارئ لا يهمُّه كثيرًا تفاصيل الخبر بقدر ما يجذبه جماليَّة وحِرفيَّة الصُّورة.
اتَّفقتِ المدارسُ والمعاهد الدبلوماسيَّة بمختلفِ مُسمَّياتها وجنسيَّاتها على أنَّ هناك نَوْعَيْنِ من الاتفاقيَّات وهي: (المحليَّة والدّوليَّة). فالمدرسة القانونيَّة البريطانيَّة تُعرِّف الاتفاقيَّة بأنَّها ورقة مكتوبة فيها توقيع طرفَيْنِ أو أكثر، تحتوي على بنود وصلاحيَّات وواجبات ومهامَّ وحقوق وغرامات.. وغيرها من النّقاط الجوهريَّة الَّتي يتمُّ الاتِّفاق بَيْنَ الطرفَيْنِ (الطَّرف الأوَّل والطَّرف الثَّاني).
الاتفاقيَّات المحليَّة تنقسمُ إلى عدَّة أنواع استنادًا إلى التَّفاهمات بَيْنَ الطرفَيْنِ، سواءً على المستوى الرَّسمي أو الشَّخصي. ومِثال ذلك: التَّعاون الأكاديمي بَيْنَ الجامعات والكُليَّات الَّتي تقع في بلدٍ واحد، وكذلك اتفاقيَّات بَيْنَ المستشفيات والمراكز الصحيَّة في بلدٍ أو محافظة واحدة.. وغيرها ضِمْن حدود ومعالِم داخل الدَّولة، وتحتوي على بروتوكول وإتيكيت خاصٍّ بها، ولكنَّها تشترك مع الاتفاقيَّات الدّوليَّة ببعض النّقاط والمعالم من حيث التَّطبيق العملي.
الاتفاقيَّات الدّوليَّة وهي الَّتي تكُونُ بَيْنَ طرفَيْنِ أجنبيَّيْنِ، سواء إقليميَّة أو دوليَّة بوجودِ عَلَمَيْنِ لدَولتَيْنِ، سواء بَيْنَ طرفَيْنِ أو عدَّة أطراف بمختلف أنواعها (تجاريَّة، نفطيَّة، سياسيَّة، أمنيَّة وعسكريَّة، صحيَّة، أكاديميَّة ثقافيَّة).. وغيرها، بالإضافة إلى بعض النّقاط الواجب الاهتمام بها، وهي المسافة بَيْنَ الشَّخصَيْنِ أو بَيْنَ الأطراف الَّتي تُوقِّع الاتفاقيَّة تُقدَّر بَيْنَ (50 سم إلى 75 سم)، لا توضَع العطور النَّفاذة والقويَّة؛ لأنَّنا لا نعرف ذَوق الطَّرف الآخر. يوضعُ عَلَم الجهة على يمينِ الحضور وأمام كُلِّ طرفٍ بحيث لا يتعدَّى المسافة إلى الطَّرف الثَّاني؛ أي ضِمْن حدود (50 سم)، لا يُفضَّل وقوف أشخاص أو المُنسِّقِين خلْفَ الطَّرفَيْنِ المُوَقِّعَيْنِ لأنَّها محليَّة، وبعد التَّوقيع يتمُّ المصافحة وكلمات التَّهاني وتبادل ملفَّات الاتفاقيَّات، ويكُونُ ملف اتفاقيَّة الضَّيْف هي الأولى وإلى الأعلى وتُؤخَذ الصُّورة التَّذكاريَّة فقط أثناء المصافحة، وليس إظهار ورفع ملف الاتفاقيَّات أمام وسائل الإعلام وكأنَّها شهادة ثانويَّة.
وفي الختام، عَلَيْنا توفير كافَّة مستلزمات التَّوقيع، سواء على مستوى لُغة الجسد أو إتيكيت وبروتوكول استقبال الضَّيْف، نَوْع الطَّاولة، نَوْع وعدَد وشكْل الزُّهور، نَوْعيَّة الحضور من الوكالات الإعلاميَّة، التَّوقيت المُناسِب لتوقيعِ الاتفاقيَّة، الأشخاص والهندام الخارجي، إتيكيت تبادل ملفات الاتفاقيَّة، كلمات المجاملة وإدارة الحديث، عدم الإفشاء ببنود الاتفاقيَّة بصورةٍ تفصيليَّة.
وسوف نتطرَّقُ بالمقال القادم حَوْلَ بروتوكول وإتيكيت الاتفاقيَّات الدوليَّة والمعاهدات بمختلف أنواعها بشكلٍ تفصيلي.
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت