بقلم : سعدون بن حسين الحمداني / دبلوماسي سابق
يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة استخدام اللغة الايمائية أو لغة الجسد وكيفية مراعاتها سواء على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى الوفود من أكاديمين أو رجال دين رفيعي المستوى أو رؤساء عشائر في بعض الدول، وكيف يتبارون هذه المدارس بتدريس مادة لغة الجسد في المعاهد والمدارس الدبلوماسية لما لها أثر بالغ في إيصال الفكرة والحدث بدون التلفظ بأي كلمة وخاصة في اللقاءات الرسمية أو الشخصية وكيفية التعامل معها سواءعلى المستوى الشعبي منها أو لكبار الشخصيات وكذلك طبيعة ومستوى أستخدام هذه اللغة وكلا حسب مستواه وطبيعة العلاقة معهم ،حتى في بعض المدارس الأوربية تعتبر درجة النجاح فيه أكثر من 80% لأهمية المادة في التعامل الخارجي حيث ترى الأبتسامة وحلأوة الروح والبشاشة في لغة العيون ورحابة الصدر للترحيب بالمقابل مما كان نوعه وهذا ما نراه في الاسواق العامة والمولات الكبيرة لغرض جذب المتبضعين وبالتالي زيادة نسبة الواردات المالية وهو جزء من وسيلة الاتصال والعلاقات العامة في الحياة اليومية التجارية التي تميزت بها المدارس الدبلوماسية الغربية على وجه الخصوص.
أن آخر الدارسات الطبية في علم لغة الجسد وعلم الحركة ووسيلة الاتصال بالاخرين، تبين أن إشارات الايمائية تنقل الى الدماغ البشري لغرض التفسير والتعامل معها بنفس الطريقة وأن الدماغ البشري يعتمد كثيراً على نظرية “الفعل ورد الفعل “، إذ أن 87% منها تاتي عن طريق العينين و9% عن طريق الأذنين و4% باقي سائر الحواس.
تعتبر اللغة وعلم اللغة العام بكافة أقسامه ( علم الكلمة، علم النحو ، علم المعنى) هي أقوى وسيلة إتصال على مر العصور بين مختلف المجتمعات والأعمار والجنس البشري وهي أوضح أنماط السلوك الأتصالي ومحوره الأول في كل المجتمعات وبكل الأوقات سواء أكانت هذه المجتمعات لا تزال في أطوارها الأولى أم قطعت أشواطأً في طريق الحضارة والمدنية والتطور والجميع يعرف أن بداية الكتابات كانت في حضارة سومر وهي الكتابة المسمارية المعبرة كثيرا عن طريق الرسوم والخطوط وهي ما تميل الى لغة الجسد والتعريف أكثر من علم اللغة العام. ولا يسعنا في هذا المقال المختضب ألا أن نركز على لغة الحركة أو بالأحرى لغة الجسد ( لغة العيون) والتي تعتبر من أهم سمات إيصال الفكرة وهي ذات الاهمية عند المواطن البسيط أو عند الدبلوماسي أو عامة الناس، ولكن أستخدامها في السلك البدلوماسي اكثر شيوعاً وأهميةً من الانسان العادي لما لها من انعكاسات أيجابية أو سلبية أستناداً الى نوع النظرية الفيزيائية ( الفعل ورد الفعل).لغة الجسد أو علم الحركة يعتبر هو النسق الرمزي المفتوح الذي يحقق الأتصال وأيصال الفكرة والنتيجة بنفس الوقت بعيدأً عن الكتابة والسرد اللغوي، وهو عبارة عن مدخل الى ايمائيات عفوية تخططها معالم الجسد البشري لايصال فكرة معينة سواء كانت “مقصودة أم غير مقصودة” “مباشرة أم غير مباشرة” والجسد أصلأ هو نظام لغوي رباني بامكانك تبليغ شي ما بدون السلوك الشفهي الناطق وبالتالي فأن لغة الجسد هي (رمز وحركة) بعيداً عن التلفظ أو الكتابة ولها مدلولات كبيرة وفعالة أكثر قوة في بعض الأحيان من الكتابة نفسها، قال تعالى في محكم كتابه: (تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ) سورة البقرة آية 273 وكذلك وقوله: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ) سورة الرحمن آية 41 وكما معروف سيماهم في اللغة ولسان العرب هي العلامات الظاهرة أو الهيئة الواضحة.
كان هناك تسابق وتنافس بين عمالقة علماء اللغة (أبن خلدون والفارابي ) لوضوع الأسس والنظريات لكيفية التعامل والتواصل في المجتمع حيث أعتمد الفارابي كثيرأً على أسبقية لغة الحركة أو لغة الجسد عكس العلامة أبن خلدون الذي جعل اللغة سمة أجتماعية وأنسانية للتواصل، وأنا شخصياً أرى في وقتنا الحاضر المتمدن أن الاثنان لهما دوراً حيوياً في إيصال الفكرة والمعنى وبعيداً عن علم النحو لان لغة الجسد معبرة للغاية في هذا المجال ومن الامثلة على ذلك؛ علم الفراسة وهو علم يستند على تحليل دقيق لجسد الأنسان ومظاهره وعلاماته والاستدلال على الشي فعلامات الفرح على الوجه ليس كعلأمات الحزن وعلأمات الغنى المالي ليس كعلامات الفقر المادي، وبالتالي هناك النظر بالبصر أولأ ثم الفكر واحساس القلب كلها دلالات واضحة على أهمية علم الجسد ولغة العيون هي مفتاح لكثير من المشاعر المعبرة الصادقة منها أو بالعكس.
تعتبر العين البشرية هي من أهم أدوات لغة الجسد ومعبرة كثيراً وخاصة عند العرب والكل يعرف الحسد تاتي من العين البشرية والحسد لا ياتي من كتابة الشي وأنما من النظر والتدقيق في النظر والحسرة لذلك دعا الرسول الكريم الى الرقية الشرعية وكذلك أنزل الله سبحانه وتعالى سور المعوذات للحماية من العين الشريرة. تعتبر لغة العيون مدخل للفعل وكان الرسول الكريم يحث على غض النظر لما فية آداب كريمة ومعاني عالية في الاخلاق وحسن النية وبعيداً عن الحسد والتدقق في لما لا يعيينا. فعند الغضب نلاحظ تمدد العينين وتوسع البؤبؤ وخاصة عند النساء وهي دلالة عدم الرضا والتحسس من الوضع اللأ مقبول وسوف يكون رد الفعل سلبياً .
وفي التعجب نلاحظ رفع الحاجب الى الأعلى وتفتح العينين بحيث تكون أوسع ما يمكن دلالة واضحة على الأستغراب والذهول من الشئ. أما الغمز فهي تبلغ مبلغاً عجيباً أذ يقطع بها ويتواصل ويوعد ويهدد وينبه بها، ويقبل ويرفض، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تغمز الى الجاريتين بالخروج عند دخول النبي صلى الله علية وسلم الى بيته دون اللفظ.
أما العين الغاضبة فهي تحملق أو تتحدب بصورة واضحة الى الشخص الذي نشعر أتجاهه بالغضب وتكون النظرة ثابتة ليحاول بها أن يسيطر أو يهدد وهناك عدة صور توضيحية عن أشكال العين ومعانيها لا مجال لسردها في هذا المقال البسيط المتواضع.
وأخيرا ومن العبارات الشائعة؛ أنظر الى عيني الشخص الذي يتحدث لانها تكشف عن مشاعره الحقيقة تجاه المقابل وأحيانا تنم عما يريد قوله والنظر باستغراب أو انكار لفعل ما يبدو واضحاً عندما يفتح الشخص عينيه وأن لغة العيون هي أصدق من القلم والمشاعر المكتوبة والمعبرة وأخيرا قال فيكتور هوجو: عندما تتحدث إلى امرأة.. أنصت إلى ما تقوله عينيها..