السبت , أبريل 27 2024
أخبار عاجلة

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية الجزء (10) .. “بروتوكول وإتيكيت الكتمان والسرية”..

الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق  ، عضـو جمعية الصحفـيّين العمانية

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام الكتمان والسرية الذي يعتبر أهم بنود المفاوضات والتصرفات الفردية في الدبلوماسية وخاصة في المباحثات والنقاشات الجانبية ، سواء على المستوى العائلي الشخصي أم على مستوى الوفود وكبار الشخصيات وفي كافة المناسبات ، وكيف يتبارون في رسم فقرات الكتمان والسرية في الحياة اليومية ومع الطرف الثاني سواء من كبار الشخصيات والوفود الرسمية أم في الأنشطة الرسمية أم غير الرسمية والفردية منها أم من وفد أم تجمع أشخاص في مناسبة خاصة، حيث درست المدارس الدبلوماسية تأثير هذه الفقرات ونوعها على نفسية الأشخاص وسلوكهم ، وكانت نظريات علم النفس والاجتماع تلعب دورًا مهمًا في وضع استراتيجيات هذا النوع من الإتيكيت ؛ لأنه يدخل ضمن تصرف الدبلوماسي الناجح سواء بلغة الجسد أم الكلام وهو أحد أقسام نجاح المفاوضات ضمن فصول ومعالم الدبلوماسية.

لغوياً ، كتم الشيء هو أحد ابواب النصر والنجاح والتفوق ، يمكننا القول بأن الكتمان أن تفعل ما تريد فعله دون أن يعرف بذلك الآخرون، وتعطي لأفعالك هذه غطاءً لا يمكن مشاهدته من قبل الآخرين. و يحتاج الإنسان في طبيعته البشرية إلى كتم بعض أسراره إن لم يكن كلها، على أية حال يُعتبر (الكتمان) من السمات الناجحة لدى الدبلوماسي وكذلك عند عامة الناس ، وكلما كان الإنسان كتوماً كلما استطاع أن ينجز بعض أو كل أعماله بشكل آمن وناجح.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن هذا الموضوع ، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن الكتمان والسرية وضعت في بروتوكول وإتيكيت شخصية الدبلوماسي الناجح أو كبار الشخصيات وجاءت في كثير من الآيات القرآنية الكريمة لعامة الناس كصفة أم كاسم ليعطينا درسا للاقتداء به وممارسته في حياتنا اليومية، وكان رسولنا الكريم – صلّى الله عليه وسلم – يحث على هذا النسق الراقي في الحياة والدعوة إلى التعرف على بعض المفاهيم والحقائق عن السرية والكتمان وهو أول من استخدم الختم ليضيف عليها السرية والخصوصية في رسائله المبعوثة إلى ملوك وسلاطين العالم في بدء الدعوة الإسلامية ، والكتمان والسرية تم سردهما في آيات القرآن الكريم حيث قال تعالى: “وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا…” (23 سورة الكهف) وهي آية غايةٌ في الروعة فتوصينا بعدم الكلام والثرثرة في أمور مستقبلنا مهما كانت أهميتها ،وإنما يوصينا رب العزة بكتمان أعمالنا وتحركاتنا وعدم البوح بتفاصيل ما هو موجود في جعبتنا ، وقال تعالى : “قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5 سورة يوسف) وهي دعوة ربانية بالحفاظ على السر من أقرب الناس لأن هناك في نفس البشر (الحقود ، والحاسد، والغيور، والكاره إلى آخر الصفات التي تؤثر على مستقبل الإنسان) ؛ لذلك علينا جمعيا الاحتفاظ بأسرارنا لأنفسنا أو بمن نثق بهم وتبادل  الرأي معهم ليس أكثر من ذلك لأنه  كما قال أحد الحكماء : “إذا ذاع السر بين ثلاثة فقد فشى”.

وقال تعالى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً” (19سورة الكهف) ولا يشعرن بكم أحدا أي لا يخبرن عن ما جرى لإخوانه ويبدأ بالكلام هنا وهناك ويشهر أمرهم بين الناس وإنما أن يذهب إلى السوق ويشتري ما يحتاجونه بكل هدوء وسكينة وعدم الثرثرة بما حصل لهم والأدهى في هذه الآية الكريمة أن يذهب شخص واحد فقط وليس الجميع وهي من علامات الكتمان والسرية للحقيقة وعدم جلب النظر من قبل عامة الناس ؛ لأن شخصًا واحدًا قد لا يجلب النظر إليه أما عدة أشخاص فقد يكونون تحت مجهر عامة الناس ؛ لذلك أوصانا القرآن الكريم بأخذ الحيطة والحذر في هذه الأمور ؛ لذلك علينا الالتزام بهذه الحكم الربانية وعدم الركض خلف المدارس الدبلوماسية التي تدرس وتستفيد من قرآننا الكريم . أما السيرة النبوية فحافلة بالمواعظ والاهتمام بصفة الكتمان والسرية قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام : “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان وفي حديث آخر : “استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود والحديث واضح وصريح حيث يرشدنا إلى الكتمان والسرية في قضاء معظم أعمالنا وعدم التكلم هنا وهناك من أجل التباهي أو التفاخر أمام الناس ، فقد كان، صلى الله عليه وسلم ، أول من وضع هذه الخاصية الرائعة في الحفاظ على السرية وعدم الثرثرة التي تطيح بكبرياء الشخص وبالتالي يفقد هيبته بهذا التصرف وهو ما تؤكد عليه المدارس الدبلوماسية المتخصصة في البروتوكول والإتيكيت ، وهكذا كان الصحابة – رضوان الله عليهم – وكان أجدادنا الأوائل يعلّمون أولادهم المحافظة على السر، وهي صفة من ألزم الأمور لسلامة الأمة وأمنها ، وقد ابتكر الرسول – صلى الله عليه وسلم – “الرسالة المختومة” مراعاة للسِّرِّية والأمن ، كما أوضحنا سلفاً ، أما  الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه  قال : “من كتم سره كان الخيار بيده” ، وقال الإمام علي رضي الله عنه : “سِرُّكَ أسيرك فإذا تكلمتَ به صرتَ أسيره” ، والمقولة الشهيرة للخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حيث قال : “القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل أمرئ مفتاح سره”.

وفي الختام فإن المحافظة على هذه الصفة من علامات النجاح والتفوق في الحياة اليومية والعملية سواء الشخصية منها أم الرسمية، الفردية منها أم الجماعية، وبالتالي علينا التمعن فيه فبدلا من الانقياد خلف المدارس والنظريات الأجنبية في تعليم هذه الخاصية نرى أن تعاليم الدعوة الإسلامية والسيرة النبوية ثرية بهذه الصفة الكتمان والسرية” التي هي أحد مقومات النجاح والتفوق والتميز لدى الشخص.

المصدر: https://asdaaoman.com/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%88%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A1-10/

شاهد أيضاً

في اجتماعه الثالث.. مجلس ادارة جمعية الصحفيين يُقر آلية تشكيل لجان المحافظات والمشاركات المحلية والخارجية

عقد مجلس ادارة جمعية الصحفيين العمانية اجتماعه الثالث في مبنى جمعية الصحفيين بمرتفعات المطار في …